التصنيفات
الصف الحادي عشر

تقرير دولة المرابطين للصف الحادي عشر

دولة المرابطين

المقدمة

إن فخر كل أمة ومصدر عزها بعد ربها يكمن في الترجمة العلمية لعقيدة هذه الأمة والتي تظهر وتتضح في صورة رجال قاموا بأدوار في خدمة دينها وأمتها وعقيدتها وإننا لنرى أمم تعيش على ذكريات أبطال محليين ينسجون عنهم الكثير من الأساطير والأكاذيب من أجل رفع شأنهم بين أبطال الأمم الأخرى ليتباهوا بهم وتصير ذكراهم بعد ذلك أعيادًا رسمية بل مقدسة عندهم وإن في أمة الإسلام رجالاً وأبطال سطروا صحائف من نور بدمائهم وأرواحهم وجهدهم وعرقهم من أجل خدمة الدين والأمة وحفظ لهم التاريخ ذلك ولكنهم وللأسف الشديد سقطوا من ذاكرة المسلمين فلم يعرفهم وتاهوا في طي النسيان والغفلة، هذا رغم أننا نرى الأمم من حولنا في كل يوم تخرج علينا باحتفالية جديدة لقزم من أقزامهم أو مجرم من مجرميهم لا عمل له صالح إلا أن محاربته للإسلام كانت سر شهرته نذكر منهم ‘رولان الفرنسي’ الذي قتل في حربه ضد المسلمين وخلد الفرنسيون ذكراه بأنشودة رولان الشهيرة في الأدب الفرنسي، ومنهم ‘شارل مارتن’ قائد الصليبيين الذي انتصر على المسلمين في معركة بلاط الشهداء سنة 114هـ عند حدود فرنسا والذي صار من يومها قديسًا، ومنهم ‘رودريجو دي بيبار’ أو السيد ‘الكمبيادور’ الأسباني الذي قضى حياته في محاربة المسلمين في الأندلس والذي نسجوا عليه الكثير من الأكاذيب والأباطيل حتى صار بطل أسبانيا القومي حتى الآن رغم أنه كان قاطع طريق ولص ولا يهمه سوى الأموال، ومنهم ‘لويس التاسع’ ملك فرنسا الذي قاد حملتين فاشلتين وهما الحملة الصليبية السابعة على دمياط وفشل ووقع في الأسر ثم قاد الحملة الصليبية الثامنة على تونس وفيها فشل وقتل فصار بطل فرنسا القومي وأعطي لقب قديس، وهكذا نرى الأمم من حولنا ترفع رجالها ليرفعوها.

الموضوع

وفي هذا الباب من أبواب ذاكرة الأمة نعيد اكتشاف هؤلاء الرجال والأبطال ونحي ذكراهم مرة أخرى آملين أن يأجرنا الله عز وجل.

الفقيه عبد الله بن ياسين الجزولي
مؤسس دولة المرابطين
عندما فتح المسلمون بقيادة عمرو بن العاص رضي الله عنه مصر سنة 20هـ كان ذلك إيذانًا بطور جديد من أطوار الجهاد والدعوة وفتح أرض جديدة خصبة لنشر الإسلام ألا وهي بلاد المغرب العربي الممتدة من غرب بلاد مصر من برقة حتى ساحل بحر الظلمات أو المحيط الأطلنطي كما كانوا يسمونه وكانت تلك المناطق الشاسعة المترامية الأطراف يسكنها قبائل البربر وينقسمون إلى قسمين: قبائل البرانس الكبرى وهم بربر الحضر الذين يسكنون السهول وأعظم قبائلهم ‘قبيلة صنهاجة’؛ والنوع الثاني: قبائل البُتر وهم بربر الصحراء في جنوبي المغرب والسودان فيما يعرف الآن بدولة ‘موريتانيا’ وكانوا مقاتلين أشداء ممتازين وأشهر هذه القبائل قبيلة ‘لمتونة’.

وكانت القبائل البربرية تدين بالمجوسية حتى جاء الإسلام وانتشر بينهم بفضل رجال أمثال عقبة بن نافع وأبو المهاجر دينار وحسّان بن ثابت وموسى بن نصير ولكن بقيت قبائل بربر الصحراء بعيدة عن الإسلام حتى فتح الأندلس فذاع صيت الإسلام في كل مكان وكان ملك قبيلة ‘لمتونة’ اسمه ‘تيولوثان بن تيكلان’ فدخل في الإسلام وحارب القبائل الوثنية ونشر بينهم الإسلام وجاء أولاده من بعده فقاموا بنفس الدور حتى وصلت رئاسة القبيلة إلى الأمير ‘يحى بن إبراهيم’ الذي حارب الوثنيين في غرب أفريقيا ‘السنغال/غانا’ ونشر الإسلام بينهم حتى سنة 427هـ عندما قرر أن يقضي فريضة الحج فترك الرئاسة لولده إبراهيم ثم اتجه للحج.

وفي رحلة الحج تأثر ‘يحي بن إبراهيم’ بما رآه وقد رأى أن قومه البربر في جهل شديد بالإسلام وأصوله وتعاليمه وأثناء عودته مر في الطريق على مدينة القيروان منارة العلم في المغرب العربي وقتها والتقى بالفقيه أبي عمران الفاسي شيخ المالكية وشكا إليه من جهل قومه وطلب منه أن يرسل معه فقيهًا من تلاميذه لتثقيف البربر فبعث كتابًا إلى تلميذ من تلاميذه بالسوس الأقصى وهو ‘أبو محمد واجاج اللمطي’ وكان فقيهًا ورعًا يدرس العلم لتلاميذه في رباط خاص به فلما وصل ‘يحي’ إليه قرأ الرسالة على تلاميذه فاستجاب للدعوة الفقيه ‘عبد الله بن ياسين الجزولي’ وكان من أنبه تلاميذه وأكثرهم علمًا وورعًا فرحل مع ‘يحي’ حتى وصل الصحراء حيث البربر.

عبد الله بن ياسين:

كان عبد الله بن ياسين الجزولي فقيهًا شديد الورع غزير العلم والغيرة على تعاليم دين الإسلام وكان فوق ذلك خطيبًا موهوبًا قوي التأثير يجيد اللغة العربية والبربرية أيضًا وكان قد رحل إلى الأندلس لطلب العلم وأمضى بها عدة سنوات ورأى دولة الطوائف وما أصاب الإسلام على أيديهم وبسبب بعدهم عن الدين، وعندما وصل ‘عبد الله بن ياسين’ الصحراء وجد أن البربر بأعداد ضخمة ومهولة وأيضًا في قمة الجهل والبعد عن الدين فأخذ في نشر تعاليم الدين بينهم وأمرهم بالمعروف ونهاهم عن المنكر واشتد عليهم في ذلك لشيوع المنكرات والعادات المخالفة للإسلام مثل الزواج بأكثر من أربع فلم يقبل البربر نصح ‘عبد الله بن ياسين’ وأعرضوا عنه.

السياسية التربوية لـ ‘عبد الله بن ياسين’
عندما رأى ‘عبد الله بن ياسين’ إعراض البربر عن نصحه ودعوته قرر وصديقه وتلميذه الوفي ‘يحي بن إبراهيم’ على نبذ أولئك البدو الجهلة والانقطاع عنهم إلى العبادة والزهد في جزيرة نائية بنهر النيجر وانضم إليهم سبعة رجال من قبيلة ‘كدالة’ ومعهم ‘يحي بن عمر’ من رؤساء ‘لمتونة’ وبنوا بالجزيرة مسجدًا ورباطا للعلم والعبادة وما لبث أن اشتهر أمر هذا الرباط ووفد إليه كثير من أشراف ‘صنهاجة’ ممن آثروا الزهد والعبادة فأخذ ‘عبد الله بن ياسين’ في تثقيفهم وتربيتهم أخلاقيًا وسلوكيًا ودينيًا وأخذ يعلمهم الكتاب والسنة ويعظهم بالجنة والنار ويربيهم على معاني الجهاد في سبيل الله ويذكرهم بعاقبة الشهادة في سبيل الله ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر؛ أي أن ‘عبد الله بن ياسين’ اتبع مع تلاميذه سياسة تربوية شاملة تقوم على:

[1] تربية إيمانية. [2] تربية أخلاقية. [3] تربية سلوكية.

[4] تربية تحفيزية ‘وعظية’. [5] تربية دعوية. [6] تربية جهادية.

[7] تربية عقائدية ‘الولاء والبراء’.

وسميت هذه الفرقة بفرقة المرابطين أي الملازمين للرباط الذي أقامه ‘عبد الله بن ياسين’ الذي كان يشعر في داخله بضرورة وحتمية إقامة دولة الإسلام بين قبائل البربر المتخلفة تلك الدولة التي تحكم بشرع الله وبالكتاب والسنة فعندما بلغ عدد المرابطين ألف وتأكد ‘عبد الله بن ياسين’ من سلامة تربيتهم وأنهم على استعداد لتطبيق ما تعلموه؛ دعاهم للمرحلة الأخطر.

جهاد عبد الله بن ياسين:

بعد أن بلغ عدد المرابطين ألفًا دعاهم ‘عبد الله بن ياسين’ إلى خطوة عملية فبعثهم إلى أقوامهم لينذروهم ويطلبوا إليهم الكف عن البدع والضلالات وتحكيم شرع الله ففعلوا ذلك ولكنهم وجدوا الإعراض من أقوامهم فعاد ‘عبد الله بن ياسين’ للجوء لإعلان الجهاد على هؤلاء الضلاَّل.

* أولا: معاركه كانت مع قبيلة ‘كدالة’ سنة 434هـ فانتصر عليهم
وأسلمت القبيلة من جديد.

* ثم حارب قبيلة ‘لمتونة’ وضيق عليهم حتى أذعنوا للطاعة وبايعوه على الشريعة.

وهكذا تعاقب خضوع قبائل ‘صنهاجة’ الواحدة تلو الأخرى حتى خضعوا جميعًا لهم وزادت قوة وسلطان ‘عبد الله بن ياسين’ الروحية على قبائل بربر الصحراء وصارت الرئاسة لـ’يحي بن إبراهيم’ الذي ما لبث أن توفي فخلفه ‘يحي بن عمر’ أخلص تلاميذ ‘عبد الله بن ياسين’ وأكثرهم طاعة له وكان ‘عبد الله بن ياسين’ يحبه ويقدره حتى أنه ذات مرة جلده عشرين سوطًـا لأنه باشر القتال بنفسه مع جنده وهو الأمير الذي يجب المحافظة عليه للصالح العام.

* انضم لجماعة المرابطين الفتية الكثير من المسلمين الناقمين على فساد بلادهم وحكامهم وبعدهم عن الدين ففي سنة 444هـ بعث فقهاء مدن ‘سجلماسة’ و’درعة’ بكتبهم إلى ‘عبد الله بن ياسين’ و’يحي بن عمر’ يشكون من ضروب الظلم والطغيان والخروج عن أحكام الإسلام ويدعونهم إلى إنقاذ المسلمين من هذا النير المرهق وعندها خرج المرابطين يقودهم ‘عبد الله بن ياسين’ في حشد كبير ضخم وتوجهوا إلى مدينة ‘درعة’ فاستولوا عليها وأخرجوا الطغاة منها وأمر ‘عبد الله بن ياسين’ بإزالة المنكرات ورفع المكوس الجائرة وعيّن عليها حاكمًا من المرابطين وأمره بالتزام شرع الله عز وجل.

* توجه ‘عبد الله بن ياسين’ والمرابطين بعدها إلى الجنوب حيث غانا والسنغال فاستولوا على عدة مدن سنة 446هـ ونشروا الإسلام وفي 447هـ توفي الأمير ‘يحي بن عمر’ فتولى الأمر مكانه وقرر مع ‘عبد الله بن ياسين’ فتح كل بلاد المغرب.

* توجه ‘عبد الله بن ياسين’ إلى قتال الروافض بقايا الدولة الخبيثة الفاطمية زورًا ‘العبيدية’ بمدينة ‘فارودنت’ وكانت تعاليم الرافضة بتلك البلد كلها إلحاد وإباحية وزندقة فانتصر ‘عبد الله بن ياسين’ عليهم واسلموا من جديد على مذهب أهل السنة والجماعة.

* استشهاد ‘عبد الله بن ياسين’:

كان ‘عبد الله بن ياسين’ منذ أن أعلن حركته الجهادية من سنة 434هـ وهو يركز على أمر واحد وهو محاربة أعداء الإسلام من الفرقة الضالة والمبتدعة والملاحدة والزنادقة والإباحيين.

وكان من أشهر القبائل الضالة المارقة بالمغرب هي قبائل ‘برغواطة’ وتقع بأقصى جنوب المغرب على حدود المحيط الأطلسي ‘موريتانيا’ وكانت تدين بمذهب الإباحية الذي أسسه رجل يهودي الأصل يدعى ‘صالح بن طريف الأندلسي’ في القرن الثاني من الهجرة وقد استغل غباوة وجهالة أهل تلك البلاد فادعى النبوة وشرع لهم شرعًا جديدًا أساسه الإباحية فتبعه كثير من الهمج الرعاع حتى صاروا قبائل كبيرة وقرر ‘عبد الله بن ياسين’ محاربة هؤلاء الكفرة فقاد جيوش المرابطين لمعركة طاحنة مع قبائل ‘برغواطة’ وفي أثناء المعركة أصيب ‘عبد الله بن ياسين’ إصابات بالغة قاتلة وقبيل وفاته جمع أشياخ المرابطين وحثهم على الاتحاد والثبات ومواصلة الجهاد ونشر الدين وحذرهم من عواقب التفرقة والتحاسد في طلب الرياسة واستشهد ‘عبد الله بن ياسين’ هذا الفقيه المجاهد منشئ دولة من أعظم دول الإسلام في المغرب وسيكون لها أعظم الدور في الأندلس في 24 جمادى الأولى سنة 451هـ ودفن في مكان يعرف بـ’كريفلة’ وما زال قبره معروفًا حتى الآن، وقبل وفاة ‘عبد الله بن ياسين’ أوحى للمرابطين بتأمير ‘أبي بكر بن عمر اللمتوني’ عليهم وكأنه ينصح للأمة قبل وفاته وكان نعم الاختيار كما أثبتت الحوادث والأيام.

الخاتمة

كان ‘عبد الله بن ياسين’ فقيهًا شديد الورع والتقشف شديد الحمية والغيرة على تعاليم الإسلام داعية من طراز فريد جدًا استطاع أن يدخل صحراء شاسعة مترامية الأطراف وحده وعلى أمم كثيرة وكبيرة في غاية الجهل والبعد عن الدين ولا تتحدث العربية فكون منهم أمة قوية مترابطة قامت على أساس ديني وعقائدي قوي وأصبح البربر قوة حركية تعمل على خدمة الإسلام ويكفي أن تعرف أن الإسلام انتشر في وسط وغرب أفريقيا عن طريق تلك الحركة المباركة التي يرجع الفضل لإنشائها وتكوينها بعد فضل الله للفقيه ‘عبد الله بن ياسين الجزولي’.

المصدر

هذا الموضوع عن مفكرة الإسلام
رابطه
http://www.islammemo.cc/historydb/o….asp?IDnews=442

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هناسبحان الله و بحمده

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.